فصل: مسألة (201): الأفضل في التَّطوُّع أن يسلِّم من كل ركعتين.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ***


مسائل التَّطوُّع

مسألة ‏(‏199‏)‏‏:‏ النَّوافل الرَّاتبة تقضى

وقال مالك‏:‏ لا تقضى‏.‏

وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تقضى إلا إذا فاتت مع الفرائض‏.‏

لنا أربعة أحاديث‏:‏ الحديث الأوَّل‏:‏ حديث أبي هريرة‏:‏ ‏"‏من لم يصلِّ ركعتي الفجر، فليصلِّهما بعد ما تطلع الشَّمس‏"‏‏.‏

والحديث الثَّاني‏:‏ حديث قيس‏.‏

وقد سبقا بإسنادهما في مسألة فعل النَّافلة في أوقات النَّهي‏.‏

1023- الحديث الثَّالث‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يزيد أنا هشام عن الحسن عن عمران بن حُصين قال‏:‏ سرينا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما كان من آخر الليل عرَّسنا، فلم نستيقظ حتى أيقظنا حرُّ الشَّمس، فجعل الرَّجل منَّا يقوم دهشًا إلى طهوره، فأمرهم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسكنوا، ثُمَّ ارتحلنا، فسرنا حتى إذا ارتفعت الشَّمس نزلنا، ثُمَّ أمر بلالاً فأذَّن، ثُمَّ صلَّى الرَّكعتين قبل الفجر، ثُمَّ أقام فصلَّينا، فقالوا‏:‏ يا رسول الله، إلا نعيدها في وقتها من الغد‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أينهاكم ربُّكم تعالى عن الرِّبا ويقبله منكم‏؟‏‏!‏‏"‏‏.‏

ز‏:‏ قال عليُّ بن المدينيِّ وأبو حاتم الرَّازيُّ وغيرهما‏:‏ الحسن لم يسمع من عمران O‏.‏

1024- الحديث الرَّابع‏:‏ قال أحمد‏:‏ وثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال‏:‏ كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فقال‏:‏ ‏"‏من يكلؤنا الليلة‏؟‏‏"‏‏.‏

فقال بلالٌ‏:‏ أنا‏.‏

فاستقبل مطلع الشَّمس، فما أيقظهم إلا حرُّ الشَّمس، فقاموا، فأذَّن بلالٌ، وصلَّوا الرَّكعتين، ثُمَّ صلَّوا الفجر‏.‏

ز‏:‏ ورواه النَّسائيُّ ومحمد بن هارون الرُّويانيُّ وأبو القاسم الطَّبرانيُّ بطرقٍ عن حمَّاد بن سلمة‏.‏

وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال‏:‏ رواه حمَّاد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه‏.‏

وخالفه ابن عيينة، فرواه عن عمرو عن نافع بن جبير عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يسمِّه‏.‏

وخالفه إبراهيم بن يزيد الخوزيُّ، فرواه عن عمرو عن نافع بن جبير عن أبي شُريح الخزاعيِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهم فيه‏.‏

وأشبهها بالصَّواب قول ابن عيينة O‏.‏

مسألة ‏(‏200‏)‏‏:‏ إذا أدرك الإمام وهو في فرض الصُّبح ولم يصلِّ سنَّة الفجر، دخل معه في الفرض‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إن كان خارج المسجد ولم يخش فوات الرُّكوع في الثَّانية صلَّى ركعتي الفجر‏.‏

1025- قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن ورقاء عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قال‏:‏ ‏"‏إذا أقيمت الصَّلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

مسألة ‏(‏201‏)‏‏:‏ الأفضل في التَّطوُّع أن يسلِّم من كل ركعتين‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ من أربع‏.‏

لنا أربعة أحاديث‏:‏ 1026- الحديث الأوَّل‏:‏ قال أحمد‏:‏ ثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال رجلٌ‏:‏ يا رسول الله، كيف تأمرنا أن نصلِّي من الليل‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏يصلِّي أحدكم مثنى مثنى، فإذا خشي الصُّبح صلَّى واحدة فأوترت له ما صلَّى من الليل‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

1027- الحديث الثَّاني‏:‏ قال أحمد‏:‏ ثنا وكيع ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن عليٍّ الأزديِّ عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏صلاة الليل والنَّهار مثنى مثنى‏"‏‏.‏

ز‏:‏ ورواه أبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه والنَّسائيُّ وابن خزيمة في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ وأبو حاتم البستيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ بطرقٍ عن شعبة‏.‏

وقال التِّرمذيُّ‏:‏ اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر، فرفعه بعضهم، ووقفه بعضهم‏.‏

وسئل البخاريُّ عن هذا الحديث‏:‏ أصحيحٌ هو‏؟‏ فقال‏:‏ نعم‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ هذا الحديث عندي خطأٌ، والله أعلم‏.‏

وقال ابن أبي داود‏:‏ هذه سنَّةٌ تفرَّد بها أهل مكَّة O‏.‏

1028- الحديث الثَّالث‏:‏ قال أحمد‏:‏ ثنا روح ثنا شعبة قال‏:‏ سمعتُ عبدَ ربِّه بن سعيد يحدِّث عن أنس بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن عبد الله بن الحارث عن المطَّلب بن ربيعة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قال‏:‏ ‏"‏الصَّلاة مثنى مثنى، وتشهد في كلِّ ركعتين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ ورواه أبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجه إلا أنَّه قال‏:‏ ‏(‏المطَّلب بن أبي وداعة‏)‏ وهو وهمٌ‏.‏

وقال التِّرمذيُّ‏:‏ سمعت محمد بن إسماعيل يقول‏:‏ روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربِّه فأخطأ في مواضع‏:‏ فقال‏:‏ ‏(‏عن أنس بن أبي أنس‏)‏ وهو‏:‏ ‏(‏عمران بن أبي أنس‏)‏؛ وقال‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن الحارث‏)‏ وإنَّما هو‏:‏ ‏(‏عبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث‏)‏؛ وقال‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن الحارث عن المطَّلب‏)‏ وإنَّما هو‏:‏ ‏(‏ربيعة بن الحارث بن عبد المطَّلب عن الفضل ابن عباس‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وحديث الليث بن سعد أصحُّ من حديث شعبة O‏.‏

1029- الحديث الرَّابع‏:‏ قال أحمد‏:‏ وثنا عليُّ بن إسحاق ثنا ابن المبارك ثنا ليث بن سعد ثنا عبد ربِّه بن سعيد عن عمران بن أبي أنس عن عبد الله ابن نافع عن ربيعة بن الحارث عن الفضل بن العباس قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الصَّلاة مثنى مثنى، تشهّد في كلِّ ركعتين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ عن سويد بن نصر عن ابن المبارك O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 1030- بما روى أحمد‏:‏ ثنا أبو معاوية ثنا عُبيدة عن إبراهيم عن سَهْم ابن مِنْجَاب عن قَزَعَة عن القَرْثَع عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ قال‏:‏ أدمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع ركعات عند زوال الشَّمس، فقلت‏:‏ يا رسول الله، ما هذه الرَّكعات التي أراك قد أدمنتها‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏إنَّ أبواب السَّماء تفتح عند زوال الشَّمس، فلا ترتج حتى يصلَّى الظُّهر، فأحبُّ أن يصعد لي فيها خيرٌ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ يا رسول الله، يقرأ فيهنَّ كلهنَّ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏‏.‏

فقلت‏:‏ فيهما سلامٌ فاصلٌ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏‏.‏

فالجواب‏:‏ أنَّ هذا الحديث ضعيفٌ‏:‏

أمَّا عُبيدة فهو‏:‏ ابن مُعَتِّب، قال يحيى‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ترك النَّاس حديثه‏.‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ كان ضعيفًا جدًّا‏.‏

وقال الفلاَّس‏:‏ متروكٌ‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ كان قد تغيَّر‏.‏

قال ابن حِبَّان‏:‏ اختلط بأخرة، فبطل الاحتجاج به‏.‏

وأمَّا قَزَعَة فهو‏:‏ ابن سُويد، قال أحمد‏:‏ هو مضطرب الحديث‏.‏

وقال الرَّازيُّ‏:‏ لا يحتجُّ به‏.‏

قال أحمد بن خازم‏:‏ رأيت أحمد بن حنبل وإسحاق بن أبي إسرائيل جاءا إلى الجامع قبل الصَّلاة، فصلَّى أبو عبد الله قبل الصَّلاة عشر ركعات، ركعتين ركعتين، وصلَّى إسحاق ثمان ركعات، أربعًا أربعًا، لم يفصل بينهنَّ بسلام، فقلت لإسحاق‏:‏ صلَّيت أربعًا‏؟‏‏!‏ فقال‏:‏ حديث أبي أيُّوب‏.‏

فجئت إلى أبي عبد الله، فقلت له‏:‏ صلَّيت مثنى مثنى‏؟‏‏!‏ فقال‏:‏ حديث ابن عمر‏:‏ صلاة الليل والنَّهار مثنى مثنى‏.‏

فقلت له‏:‏ حديث أبي أيُّوب‏؟‏ فقال‏:‏ رواه قَزَعَة وقَرْثع، ومن قَزَعَة‏؟‏ ومن قَرْثع‏؟‏ ثُمَّ نحمله على الجواز لا على الأفضل‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث أبو داود عن ابن مثنَّى عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عُبيدة عن إبراهيم عن ابن مِنْجَاب- وهو سهم- عن قَرْثَع، وقال‏:‏ عُبيدة ضعيفٌ‏.‏

ورواه التِّرمذيُّ في ‏"‏ الشَّمائل ‏"‏ عن أحمد بن منيع عن هُشيم عن عُبيدة عن إبراهيم عن سَهْم عن قَرْثَع- أو قَزَعَة عن قَرْثَع-، وعن أحمد بن مَنِيع عن أبي معاوية عن عُبيدة عن قَزَعَة عن قَرْثَع، بلا شكٍّ‏.‏

ورواه ابن ماجه عن عليِّ بن محمد الطَّنافسيِّ عن وكيع عن عُبيدة بن مُعَتِّب الضَّبِّيِّ‏.‏

وقَزَعَة هو‏:‏ ابن يحيى- ويقال‏:‏ ابن الأسود-، أبو الغادية البصريُّ، تابعيٌّ، روى عن ابن عمر وأبي سعيد وغيرهما، واحتجَّ به البخاريُّ ومسلمٌ في ‏"‏ صحيحيهما‏"‏، وقال العجليُّ‏:‏ بصريٌّ، تابعيٌّ، ثقةٌ‏.‏

وقال ابن خراش‏:‏ صدوقٌ‏.‏

وذكره ابن حِبَّان في كتاب ‏"‏ الثِّقات‏"‏‏.‏

وأمَّا قَزَعَة بن سُويد بن حُجَير الباهليُّ، أبو محمد البصريُّ، فمتأخرٌ عن ابن يحيى، روى عن ابن المنكدر وأبي الزُّبير وغيرهما، وروى له التِّرمذيُّ وابن ماجه، وتكلَّم فيه الإمام أحمد ويحيى- في رواية- وأبو حاتم الرَّازيُّ والبخاريُّ وأبو داود والنَّسائيُّ، ووثَّقه ابن معين- في رواية الدَّارميِّ-، وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ أرجو أنَّه لا بأس به‏.‏

وأمَّا قَرْثع فهو‏:‏ الضَّبيُّ الكوفيُّ، وقد روى عنه أربعة نفر، وقال أبو معشر‏:‏ ثنا إبراهيم عن علقمة عن القرثع الضَّبِّيِّ وكان من القرَّاء الأوَّلين‏.‏

وقد سُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن حديث قرثع هذا، فتكلَّم عليه، وذكر الاختلاف فيه، ثُمَّ قال‏:‏ وقول أبي معاوية أشبه بالصَّواب‏.‏

وذكره ابن خزيمة في ‏"‏ مختصر المختصر ‏"‏ بإسناده، ثُمَّ ضعَّفه وقال‏:‏ عُبيدة بن مُعَتِّب‏:‏ ليس ممَّن يجوز الاحتجاج بخبره عند من له معرفة برواية الأخبار، وسمعت أبا موسى يقول‏:‏ ما سمعت يحيى بن سعيد ولا عبد الرَّحمن ابن مهديٍّ حدَّثا عن سفيان عن عُبيدة بن مُعَتِّب بشيءٍ قطُّ، وسمعت أبا قِلابة يحكي عن هلال بن يحيى قال‏:‏ سمعتُ يوسف بن خالد السَّمتيَّ يقول لعُبيدة بن مُعَتِّب‏:‏ هذا الذي ترويه عن إبراهيم، سمعته كلّها‏؟‏ قال‏:‏ منه ما سمعتُه، ومنه ما أقيس عليه‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ حدِّثني بما سمعت، فإنِّي أعلم بالقياس منك‏.‏

قال ابن خزيمة‏:‏ وروى شبيهًا بهذا الخبر الأعمش عن المسيَّب بن رافع عن عليِّ بن الصَّلت عن أبي أيُّوب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أَنَّه ليس فيه‏:‏ ‏(‏لا يسلِّم بينهن‏)‏، حدَّثناه أبو موسى ثنا أبو أحمد ثنا شَريك عن الأعمش ‏(‏ح‏)‏ وحدَّثنا أبو موسى ثنا مؤمَّل بن إسماعيل ثنا سفيان عن الأعمش عن المسَّيب بن رافع عن رجل من الأنصار عن أبي أيُّوب‏.‏

قال ابن خزيمة‏:‏ ولست أعرف عليَّ بن الصَّلت هذا، ولا أدري من أيِّ بلاد الله هو‏؟‏ ولا أدري ألقي أبا أيُّوب أم لا‏؟‏ ولا يحتجُّ بمثل هذه الأسانيد علمي إلا معاند أو جاهل O‏.‏

مسألة ‏(‏202‏)‏‏:‏ الوتر سنَّةٌ

وقال أبو حنيفة‏:‏ واجبٌ‏.‏

لنا أحاديث‏:‏ 1031- قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عليُّ بن بحر ثنا عيسى بن يونس ثنا زكريا عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضَمْرة عن عليٍّ قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏يا أهل القرآن، أوتروا، فإنَّ الله يحبُّ الوتر‏"‏‏.‏

وقد روى أبو داود من حديث ابن مسعود عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه، وقال فيه‏:‏ فقال أعرابيٌّ‏:‏ ما تقول‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ليس لكَ، ولا لأصحابك‏"‏‏.‏

1032- قال أحمد‏:‏ وثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضَمْرة عن عليٍّ قال‏:‏ الوتر ليس بحتم كهيئة الصَّلاة، ولكنَّه سنَّةٌ سنَّها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ز‏:‏ حديث عاصم بن ضَمْرة عن عليٍّ‏:‏ رواه أبو داود والتِّرمذيُّ- وحسَّنه- وابن ماجه والنَّسائيُّ وابن خزيمة في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ وأبو يعلى الموصليُّ وأبو القاسم الطَّبرانيُّ وغيرهم‏.‏

وحديث ابن مسعود‏:‏ رواه ابن ماجه أيضًا، وقد روي مرسلاً، ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب ‏"‏ العلل ‏"‏ وبيَّن الاختلاف فيه O‏.‏

1033- قال أحمد‏:‏ وثنا يزيد أنا يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حَبَّان أنَّ ابن مُحَيْرِيز القرشيَّ أخبره أنَّ المُخْدَجِيَّ- رجلٌ من بني كنانة- أخبره أنَّ رجلاً من الأنصار بالشَّام يُكْنى أبا محمد أخبره أنَّ الوتر واجبٌ، فذكر المُخْدَجِيُّ أنَّه راح إلى عبادة بن الصَّامت، فذكر له أنَّ أبا محمد يقول‏:‏ الوتر واجبٌ‏.‏

فقال‏:‏ كذب أبو محمد، سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏خمس صلوات كتبهنَّ الله تعالى على العباد، مَنْ أتى بهنَّ كان له عند الله تعالى عهد أن يدخله الجنَّة، ومن لم يأت بهنَّ فليس له عند الله عهدٌ، إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له‏"‏‏.‏

قال الخطَّابيُّ‏:‏ أراد بقوله‏:‏ ‏(‏كذب‏)‏ أخطأ في الفتوى، لأنَّ الكذب إنَّما يكون في الأخبار، ولم يخبر عن غيره‏.‏

قال‏:‏ وأبو محمد هو صحابيٌّ، اسمه‏:‏ مسعود بن زيد بن سبيع‏.‏

كذا قال، ولا نعرفه في الصَّحابة‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث أبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجه والرُّويانيُّ والطَّبرانيُّ وأبو حاتم البستيُّ وقال‏:‏ المُخْدَجِيُّ هو‏:‏ أبو رفيع‏.‏

وذكره في كتاب ‏"‏ الثِّقات ‏"‏، وقيل‏:‏ إنَّ المُخْدَجِيَّ رفيع O‏.‏

1034- قال أحمد‏:‏ وثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن مالك عن أبي بكر ابن عمر بن عبد الرَّحمن عن سعيد بن يسار عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوتر على البعير‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

1035- وقال التِّرمذيُّ‏:‏ ثنا قتيبة ثنا مالك بن أنس عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرَّحمن عن سعيد بن يسار قال‏:‏ كنت مع ابن عمر في سفرٍ فتخلَّفت عنه، فقال‏:‏ أين كنت‏؟‏ فقلت‏:‏ أوترت‏.‏

فقال‏:‏ أليس لك في رسول الله أسوة‏؟‏‏!‏ رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر على راحلته‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

وقد استدلَّ أصحابنا بأحاديث أخر فيها ضعفٌ‏:‏ 1036- قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا شجاع بن الوليد عن أبي جناب الكلبيِّ عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏ثلاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فرائض، وهُنَّ لكم تطوُّع‏:‏ الوتر، والنَّحر، وصلاة الضحى‏"‏‏.‏

1037- قال أحمد‏:‏ وثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أمرتُ بركعتي الضُّحى والوتر، ولم تكتب‏"‏‏.‏

1038- وقال ابن شاهين‏:‏ حدَّثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا محمد بن أحمد بن زياد ثنا وضَّاح بن يحيى ثنا مِنْدل عن يحيى بن سعيد عن عكرمة عن ابن عباس ‏[‏قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏]‏‏:‏ ‏"‏ثلاثٌ عَلَيَّ فريضة، وهُنَّ لكم تطوُّع‏:‏ الوتر، وركعتا الفجر، وركعتا الضُّحى‏"‏‏.‏

1039- قال ابن شاهين‏:‏ وثنا محمد بن عيسى البُرُوجِرْديُّ ثنا عمير بن مرداس ثنا محمد بن بكير ثنا مروان بن معاوية ثنا عبد الله بن ‏[‏محرَّر‏]‏ عن قتادة عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أمرت بالضُّحى والوتر، ولم تفرض عَلَيَّ‏"‏‏.‏

أمَا أبو جناب‏:‏ فاسمه‏:‏ يحيى بن أبي حيَّة، قال يحيى القطَّان‏:‏ لا أستحلُ الرِّواية عنه‏.‏

وقال الفلاَّس‏:‏ متروكٌ‏.‏

وأمَّا جابر الجُعفيُّ‏:‏ فقد سبق جرحه في مواضع‏.‏

وأمَّا الوضَّاح‏:‏ فقال ابن حِبَّان‏:‏ لا يحتجُّ به‏.‏

قال‏:‏ وابن ‏[‏محرَّر‏]‏‏:‏ كان يكذب‏.‏

احتجَّ الخصم بأحاديث‏:‏ 1040- قال أحمد‏:‏ ثنا الحسين بن يحيى ثنا الفضل بن موسى عن عبيد الله العتكيِّ عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الوتر حقٌّ، فمن لم يوتر فليس منَّا‏"‏‏.‏

1041- قال أحمد‏:‏ وثنا وكيع قال‏:‏ حدَّثني خليل بن مرَّة عن معاوية ابن قُرَّة عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من لم يوتر فليس منَّا‏"‏‏.‏

1042- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا إسماعيل بن العباس الورَّاق ثنا محمد بن حسَّان الأزرق ثنا سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ عن عطاء بن يزيد عن أبي أيُّوب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏الوتر حقٌّ واجبٌ، فمن شاء أن يوتر بثلاث فليوتر، ومن شاء أن يوتر بواحدة فليوتر بواحدة‏"‏‏.‏

1043- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وثنا محمد بن مخلد ثنا حمزة بن العباس ثنا عبدان ثنا أبو حمزة قال‏:‏ سمعتُ محمد بن عبيد الله يحدِّث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال‏:‏ مكثنا زمانًا لا نزيد على الصَّلوات الخمس، فأمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاجتمعنا، فحمد الله وأثنى عليه، ثُمَّ قال‏:‏ ‏"‏إن الله قد زادكم صلاة ‏"‏ فأمرنا بالوتر‏.‏

1044- قال أحمد‏:‏ وثنا يزيد بن هارون ثنا الحجَّاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إنَّ الله قد زادكم صلاةً، وهي الوتر‏"‏‏.‏

1045- وقد روي هذا الحديث عن النَّضر ‏[‏أبي‏]‏ عُمر عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إنَّ الله أمدَّكم بصلاةٍ، وهي الوتر‏"‏‏.‏

1046- قال أحمد‏:‏ وثنا يزيد بن هارون أنا محمد بن إسحاق عن يزيد ابن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد عن عبد الله بن أبي مُرَّة عن خارجة بن حذافة قال‏:‏ خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداة، فقال‏:‏ ‏"‏لقد أمدَّكم الله بصلاةٍ هي خير لكم من حُمْر النَّعم‏"‏‏.‏

قلنا‏:‏ وما هي يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الوتر فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر‏"‏‏.‏

1047- قال أحمد‏:‏ وثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لهيعة ثنا عبد الله بن هبيرة قال‏:‏ سمعت أبا تميم الجيشانيَّ يقول‏:‏ سمعت عمرو بن العاص يقول‏:‏ أخبرني رجلٌ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إنَّ الله عزَّ وجلَّ زادكم صلاةً فصلُّوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصُّبح، الوتر، الوتر‏"‏‏.‏

ألا وإنَّه أبو بصرة الغفاريُّ‏.‏

قال أبو تميم‏:‏ فكنت أنا وأبو ذرٍّ قاعدين، فأخذ بيدي أبو ذرٍّ، فانطلقنا إلى أبي بصرة، فقال أبو ذرٍّ‏:‏ يا أبا بصرة أنت سمعت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏إنَّ الله زادكم صلاةً فصلُّوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصُّبح، الوتر، الوتر ‏"‏‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ أنت سمعته‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ أنت سمعته‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

1048- وقال عبد الله بن الإمام أحمد‏:‏ ثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب قال‏:‏ أخبرني يحيى بن أيُّوب عن عبيد الله بن زحر عن عبد الرَّحمن بن رافع التَّنوخيِّ القاضي أنَّ معاذ بن جبل قدم الشَّام، وأهل الشَّام لا يوترون، ‏[‏فقال لمعاوية‏:‏ ما لي أرى أهل الشَّام لا يوترون‏؟‏‏]‏ فقال معاوية‏:‏ وواجب ذلك عليهم‏؟‏ قال‏:‏ نعم، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏زادني ربِّي عزَّ وجلَّ صلاةً، وهي الوتر، ووقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر‏"‏‏.‏

1049- وقد روى أحمد بن عبد الرَّحمن بن وهب عن عمِّه ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏إنَّ الله زادكم صلاةً إلى صلاتكم، وهي الوتر‏"‏‏.‏

والجواب‏:‏ أمَّا حديث بريدة‏:‏ ففي إسناده عبيد الله العتكيُّ، قال البخاريُّ‏:‏ عنده مناكير‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ ضعيفٌ‏.‏

وقد وثَّقه يحيى في رواية‏.‏

وأمَّا حديث أبي هريرة‏:‏ ففيه الخليل بن مُرَّة، ضعَّفه يحيى والنَّسائيُّ، وقال البخاريُّ‏:‏ منكر الحديث‏.‏

وأمَّا حديث أبي أيُّوب‏:‏ ففيه محمد بن حسَّان، وقد ضعَّفوه، قال الدَّارَقُطْنِِيُّ‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏واجب‏)‏ ليس بمحفوظٍ، لا أعلم أحدًا تابع محمد بن حسَّان عليه، إنَّما روي‏:‏ ‏(‏الوتر حقٌّ‏)‏‏.‏

وقال أصحابنا‏:‏ لو ثبت لفظة‏:‏ ‏(‏حقٍّ‏)‏ فمعناها‏:‏ أنَّه مشروع في السّنة؛ وقوله‏:‏ ‏(‏ليس منَّا‏)‏ إذا صحَّ، كان المراد به‏:‏ لم يتخلَّق بأخلاقنا‏.‏

وقد روى حديث أبي أيُّوب أبو داود، فقال فيه‏:‏ ‏(‏حقٌّ على كلِّ مسلمٍ‏)‏ ويتأوَّل‏:‏ أنَّه حقٌّ في باب الاستحباب‏.‏

وأمَّا حديث عمرو بن شعيب‏:‏ ففيه محمد بن عبيد الله العرزميُّ، قال وطريقه الثَّاني‏:‏ فيه الحجَّاج بن أرطاة، قال أحمد‏:‏ لا يحتجُّ به‏.‏

وأمَّا حديث ابن عباس‏:‏ ففيه النَّضر، قال أحمد‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال يحيى‏:‏ لا يحلُّ لأحدٍ أن يروي عنه‏.‏

وأمَّا حديث خارجة‏:‏ ففيه ابن إسحاق، وقد كذَّبه مالك‏.‏

وفيه عبد الله بن راشد، وقد ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ، وقال البخاريُّ‏:‏ لا يعرف إلا بحديث الوتر، ولا يعرف سماع ابن راشد من ابن أبي مُرَّة‏.‏

وأمَّا حديث أبي تميم‏:‏ ففيه ابن لهيعة، وهو متروكٌ‏.‏

وأمَّا حديث معاذ‏:‏ ففيه عبيد الله بن زحر، قال يحيى‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال ابن حِبَّان‏:‏ يروي الموضوعات عن الأثبات‏.‏

وفيه عبد الرَّحمن بن رافع، قال البخاريُّ‏:‏ في حديثه مناكير‏.‏

وأمَّا حديث ابن عمر‏:‏ فقال ابن حِبَّان‏:‏ لا يخفى على من كتب حديث ابن وهب أن هذا الحديث موضوع، وأحمد بن عبد الرَّحمن كان يأتي عن عمِّه بما لا أصل له‏.‏

ز‏:‏ حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه‏:‏ رواه أبو داود عن محمد بن المثنَّى عن أبي إسحاق الطََّالْقانيِّ عن الفضل بن موسى‏.‏

ورواه الحاكم وصحَّحه وقال‏:‏ أبو المنيب ثقةٌ‏.‏

يعني عبيد الله العتكيَّ، ووثَّقه يحيى بن معين أيضًا، وقال عبد الرَّحمن بن أبي حاتم‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ هو صالح الحديث‏.‏

وأنكر على البخاريِّ إدخاله في كتاب ‏"‏ الضُّعفاء ‏"‏ وقال‏:‏ يحوَّل‏.‏

وقد تكلَّم فيه أيضًا النَّسائيُّ وابن حِبَّان والعقيليُّ، وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ هو عندي لا بأس به‏.‏

وأمَّا حديث معاوية بن قُرَّة عن أبي هريرة‏:‏ فإنَّه منقطع، قال أحمد‏:‏ لم يسمع معاوية بن قُرَّة من أبي هريرة ولا لقيه‏.‏

1050- وأمَّا حديث أبي أيُّوب‏:‏ فرواه الطَّبرانيُّ‏:‏ ثنا معاذ بن المثنَّى ثنا عبد الرَّحمن بن المبارك ثنا قريش بن حيَّان عن بكر بن وائل عن الزُّهريِّ عن عطاء بن يزيد عن أبي أيُّوب قال‏:‏ قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الوتر حقٌّ، فمن أحبَّ أن يوتر بخمس فليوتر، ومن أحبَّ أن يوتر بواحدة فليوتر‏"‏‏.‏

ورواه من طريقٍ أخرى عن عطاء عن أبي أيُّوب مرفوعًا، ولفظه‏:‏ ‏"‏فمن شاء يوتر بسبع، ومن شاء يوتر بخمس، ومن شاء يوتر بثلاث، ومن شاء أن يوتر بواحدة‏"‏‏.‏

ورواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنَّسائيُّ وأبو حاتم البستيُّ والحاكم وقال‏:‏ على شرطهما‏.‏

وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال‏:‏ رواه بكر بن وائل والأوزاعيُّ والزُّبيديُّ ومحمد بن أبي حفصة وسفيان بن حسين ومحمد بن إسحاق عن الزُّهريِّ مرفوعًا إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

واختلف عن يونس‏:‏ فرواه حرملة عن ابن وهب عن يونس مرفوعًا‏.‏

وخالفه ابن أخي ابن وهب عن عمِّه عن يونس فوقفه‏.‏

وتابعه عثمان بن عمر عن يونس‏.‏

واختلف عن معمر‏:‏ فرفعه عديُّ بن الفضل عن معمر‏.‏

ووقفه حمَّاد بن زيد وابن عُليَّة وعبد الأعلى وعبد الرَّزَّاق‏.‏

واختلف عن ابن عيينة‏:‏ فرفعه محمد بن حسَّان الأزرق عنه‏.‏

ووقفه الحميديُّ وقتيبة وسعيد بن منصور‏.‏

والذين وقفوه عن معمر أثبت ممَّن رفعه‏.‏

وأمَّا قوله في حديث أبي أيُّوب‏:‏ ‏(‏فيه محمد بن حسَّان، وقد ضعَّفوه‏)‏ فليس بصحيح، ولا نعلم أحدًا ضعَّف محمد بن حسَّان، بل قال عبد الرَّحمن ابن أبي حاتم‏:‏ سمعت منه مع أبي، وهو صدوقٌ، ثقةٌ‏.‏

وأمَّا حديث خارجة‏:‏ فرواه أبو داود وابن ماجه والتِّرمذيُّ وقال‏:‏ حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث يزيد‏.‏

ورواه الحاكم وصحَّحه وقال‏:‏ تركاه لتفرُّد التَّابعيِّ عن الصَّحابيِّ‏.‏

وتضعيف المؤلِّف لابن إسحاق ليس بشيءٍ، وقد تابعه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب‏.‏

وقوله في عبد الله بن راشد‏:‏ ‏(‏ضعَّفه الدَّارَقُطْنِيُّ‏)‏ وهمٌ بيِّن، فإنَّه إنَّما ضعَّف عبد الله بن راشد البصريَّ، مولى عثمان بن عفَّان، الرَّاوي عن أبي سعيد الخدريِّ‏.‏

وأمَّا راوي حديث خارجة فهو‏:‏ الزَّوفيُّ، أبو الضَّحاك، المصريُّ، قال ابن إسحاق‏:‏ الزَّوْفيُّ من حمير، وليس إلا حديثه في الوتر، ولا يعرف سماعه من ابن أبي مُرَّة‏.‏

وكذلك قال البخاريُّ‏:‏ لا يعرف سماعه منه‏.‏

وذكره أبو حاتم بن حِبَّان في كتاب ‏"‏ الثِّقات‏"‏‏.‏

وأمَّا حديث أبي تميم‏:‏ فرواه غير ابن لهيعة عن ابن هبيرة، قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عليُّ بن إسحاق ثنا عبد الله- يعني ابن مبارك- أنا سعيد بن يزيد حدَّثني ابن هبيرة فذكره‏.‏

وسعيد بن يزيد من الثِّقات، ورواه يحيى الحمانيُّ عن ابن المبارك‏.‏

وأمَّا حديث معاذ‏:‏ فلا يثبت، لأنَّ في إسناده ضعفًا وانقطاعًا، فإنَّ عبد الرَّحمن بن رافع التَّنُوخِيَّ- قاضي أفريقية- لم يدرك معاذًا، والله أعلم‏.‏

وقد روي في ركعتي الفجر حديث صحيح كما روي في الوتر‏:‏ 1051- قال البيهقيُّ‏:‏ أنا أبو عبد الله الحافظ حدَّثني أبو الحسن أحمد ابن محتاج الكُشَانيُّ- ببخارى من أصل كتابه- ثنا عمر بن محمد بن بُجَيْر ثنا العباس بن الوليد الخلاَّل- بدمشق- ثنا مروان بن محمد الدِّمشقيُّ ثنا معاوية بن سلاَّم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي نضرة العبديِّ عن أبي سعيد الخدريِّ قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إنَّ الله عزَّ وجلَّ زادكم صلاةً إلى صلاتكم، هي خير من حُمْر النَّعم، إلا وهي الرَّكعتان قبل صلاة الفجر‏"‏‏.‏

قال العباس بن الوليد‏:‏ قال لي يحيى بن معين‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ من حديث معاوية بن سلاَّم، ومعاوية بن سلاَّم محدِّث أهل الشَّام، وهو صدوق الحديث، ومن لم يكتب حديثه- مسنده ومنقطعه- فليس بصاحب حديث‏.‏

وقال ابن خزيمة‏:‏ لو أمكنني أن أرحل إلى ابن بُجَيْر لرحلت إليه في هذا الحديث O‏.‏

مسألة ‏(‏203‏)‏‏:‏ يجوز الوتر بركعة، فإن أوتر بثلاث فصل بسلام

وقال أبو حنيفة‏:‏ الوتر ثلاث بسلام واحد، لا يزيد ولا ينقص‏.‏

وقال مالك‏:‏ بل يسلِّم عقيب الثَّانية‏.‏

لنا أحاديث‏:‏ 1052- قال البخاريُّ‏:‏ ثنا أبو النُّعمان ثنا حمَّاد بن زيد ثنا أنس بن سيرين عن ابن عمر قال‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة‏.‏

1053- قال البخاريُّ‏:‏ وثنا عبيد الله بن موسى أنا حنظلة عن القاسم بن محمد عن عائشة‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعتا الفجر‏.‏

الحديثان في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

1054- وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الصَّمد ثنا همَّام ثنا قتادة عن أبي مجلز قال‏:‏ سألت ابن عباس عن الوتر، فقال‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏ركعة من آخر الليل‏"‏‏.‏

وقد ذكرنا في مسألة التَّطوُّع بركعتين من حديث ابن عمر‏:‏ ‏"‏فإذا خشي الصُّبح صلَّى واحدة، فأوترت له ما صلَّى من الليل‏"‏‏.‏

وهو في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

1055- وقال النَّسائيُّ‏:‏ أنا الحسن بن محمد عن عفَّان ثنا همَّام ثنا قتادة عن عبد الله بن شقيق عن ابن عمر أنَّ رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صلاة الليل، قال‏:‏ ‏"‏مثنى مثنى، والوتر ركعةٌ من آخر الليل‏"‏‏.‏

1056- قال النَّسائيُّ‏:‏ وثنا قتيبة ثنا خالد بن زياد عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعةٌ واحدةٌ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ روى حديث عبد الله بن شقيق عن ابن عمر‏:‏ أبو داود عن محمد ابن كثير عن همَّام‏.‏

وخالد بن زياد‏:‏ وثَّقه ابن حِبَّان وغيره، وكان على القضاء بترمذ O‏.‏

فصل‏:‏ ويدلُّ على الفصل بالسَّلام‏:‏

1057- ما روى أحمد‏:‏ ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعيُّ قال‏:‏ حدَّثني أسامة بن زيد قال‏:‏ حدَّثني زبان بن عبد العزيز قال‏:‏ حدَّثني عمر بن عبد العزيز عن عائشة قالت‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي في الحجرة وأنا في البيت، فيفصل بين الشَّفع والوتر بتسليم يسمعناه‏.‏

1058- قال أحمد‏:‏ وثنا عتَّاب بن زياد ثنا أبو حمزة السُّكَّريُّ عن إبراهيم الصَّائغ عن نافع عن ابن عمر‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفصل بين الوتر والشَّفع بتسليمة يسمعناها‏.‏

أمَّا الحديث الأوَّل‏:‏ فمنقطعٌ، لأنَّ عمر لم يسمع من عائشة؛ وأسامة ضعيفٌ‏.‏

والثَّاني أصلح‏.‏

ز‏:‏ أسامة بن زيد هو‏:‏ الليثيُّ المدنيُّ، روى له مسلم في ‏"‏ صحيحه ‏"‏، ووثَّقه ابن معين وغيره، وتكلَّم فيه الإمام أحمد وغيره‏.‏

وزبان بن عبد العزيز‏:‏ هو أخو عمر، ذكره ابن أبي حاتم في كتابه، وقال‏:‏ روى عنه الليث بن سعد‏.‏

وفي ذلك نظرٌ‏.‏

وروى حديث نافع عن ابن عمر‏:‏ أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ والطَّبرانيُّ وقال‏:‏ لم يرو هذا الحديث عن إبراهيم الصَّائغ إلا أبو حمزة السُّكَّريُّ‏.‏

وإبراهيم بن ميمون الصَّائغ‏:‏ وثَّقه ابن معين والنَّسائيُّ في رواية، وقال مرَّةً‏:‏ ليس به بأس‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ما أقرب حديثه‏.‏

وقال أبو زرعة‏:‏ لا بأس به‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ يكتب حديثه ولا يحتجُّ به‏.‏

وقد روى ابن حِبَّان هذا الحديث من رواية الوليد بن مسلم عن الوَضِين ابن عطاء عن سالم عن أبيه‏.‏

الوَضِين فيه كلامٌ‏.‏

فصل‏:‏ ويدلُّ على جواز الزِّيادة على الثَّلاث‏:‏

1059- ما روى أحمد‏:‏ ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن الحكم عن مِقْسم عن أمِّ سلمة قالت‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بسبعٍ وبخمسٍ، لا يفصل بينهن بسلامٍ ولا كلامٍ‏.‏

ز‏:‏ رواه النَّسائيُّ من حديث جرير وسفيان، ورواه ابن ماجه من حديث زهير، كلُّهم عن منصور‏.‏

ورواه النَّسائيُّ أيضًا من رواية إسرائيل عن منصور، فزاد فيه‏:‏ ابن عباس‏.‏

1060- وروى عن إسماعيل بن مسعود عن يزيد- هو ابن زُريع- عن شُعبة عن الحكم قال‏:‏ قلت لمِقْسم‏:‏ إنِّي أسمع الأذان فأوتر بثلاث، ثُمَّ أخرج إلى الصَّلاة خشية أن تفوتني‏.‏

فقال‏:‏ إنَّ ذلك لا يصلح إلا بسبع أو خمس‏.‏

فحدَّثت بذلك مجاهداً ويحيى بن الجزَّار فقالا‏:‏ سله عمَّن‏؟‏ فسألته، فقال‏:‏ عن الثَّقة عن الثَّقة عن عائشة وميمونة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ O‏.‏

1061- وقال التِّرمذيُّ‏:‏ ثنا إسحاق بن منصور أنا عبد الله بن نمير ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ كانت صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمسٍ، لا يجلس إلا في آخرهنَّ‏.‏

ز‏:‏ أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏ O‏.‏

احتجَّ الخصم بأربعة أحاديث‏:‏ 1062- الحديث الأوَّل‏:‏ قال التِّرمذيُّ‏:‏ ثنا هنَّاد ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ قال‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بثلاث‏.‏

1063- الحديث الثَّاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا الحسن بن رشيق ثنا محمد بن أحمد بن حمَّاد ثنا أبو خالد يزيد بن سنان ثنا يحيى بن زكريا الكوفيُّ ثنا الأعمش عن مالك بن الحارث عن عبد الرَّحمن بن يزيد النَّخعيِّ عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏وتر الليل ثلاث، كوتر النَّهار- صلاة المغرب-‏"‏‏.‏

1064- الحديث الثَّالث‏:‏ قال أبو حاتم بن حِبَّان‏:‏ أنا أحمد بن يحيى ابن زهير ثنا عبد الله بن الصَّباح ثنا أبو بحر البكراويُّ عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الوتر ثلاث، كصلاة المغرب‏"‏‏.‏

1065- الحديث الرَّابع‏:‏ رووا أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن البتيراء‏.‏

قالوا‏:‏ وهي الوتر بركعة‏.‏

والجواب‏:‏ أمَّا الحديث الأوَّل‏:‏ ففيه الحارث الأعور، قال الشَّعبيُّ وابن المدينيِّ‏:‏ هو كذَّابٌ‏.‏

ثُمَّ لا حجَّة في الحديث، فإنَّا لا نمنع من الوتر بثلاث‏.‏

وأمَّا حديث ابن مسعود‏:‏ ففيه يحيى بن زكريا، قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ لم يروه عن الأعمش مرفوعًا غيره، وهو ضعيفٌ‏.‏

وأمَّا حديث عائشة‏:‏ ففيه إسماعيل المكيُّ، قال يحيى‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال ابن المدينيِّ‏:‏ لا يكتب حديثه‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ متروكٌ‏.‏

وأمَّا الحديث الرَّابع‏:‏ فالمروي عن ابن عمر أَنَّه فسَّر البتيراء‏:‏ أن يصلِّي بركوعٍ ناقصٍ، وسجودٍ ناقص‏.‏

وقد قابل أصحابنا هذين الحديثين بحديث رواه الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ 1066- ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا موهب بن يزيد بن خالد ثنا عبد الله ابن وهب قال‏:‏ حدَّثني سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة و الأعرج عن أبي هريرة عن رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا توتروا بثلاث، أوتروا بخمس أو بسبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب‏"‏‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ كلُّهم ثقات‏.‏

ز‏:‏ ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ أيضًا عن ابن أبي داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهب، ورواه الحاكم وقال‏:‏ على شرطهما‏.‏

1067- وروى الحاكم أيضًا من رواية عمرو بن الرَّبيع بن طارق ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب، ولكن أوتروا بخمس، أو بسبع، أو بتسع، أو بإحدى عشرة ركعة، أو أكثر ‏"‏ O‏.‏

فصل‏:‏ واحتجَّ الخصم على أنَّه لا يسلِّم من ركعتين‏:‏

1068- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أحمد بن منصور ثنا شجاع بن الوليد ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة قالت‏:‏ كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسلِّم في ركعتي الوتر‏.‏

وهذا لا حجَّة لهم فيه، لأنَّه جائزٌ عندنا أن يوتر بثلاث بسلامٍ واحد، ولكن يجلس عقيب الثَّانية‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث الإمام أحمد بغير هذا اللفظ، ورواه النَّسائيُّ بهذا اللفظ عن إسماعيل بن مسعود عن بشر بن المفضَّل عن سعيد، ورواه الحاكم ولفظه‏:‏ ‏(‏لا يسلِّم في الرَّكعتين الأوليين من الوتر‏)‏ وقال‏:‏ على شرطهما‏.‏

وقد نقل عن الإمام أحمد أَنَّه ضعَّف إسناد هذا الحديث‏.‏

1069- وقال شيبان بن فرُّوخ‏:‏ ثنا أبان بن يزيد عن قتادة عن زرارة عن سعد عن عائشة كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بثلاث، لا يقعد إلا في آخرهن‏.‏

رواه الحاكم O‏.‏

مسألة ‏(‏204‏)‏‏:‏ يجوز التَّنفُّل بركعة‏.‏

وعنه‏:‏ لا يجوز، كقول أبي حنيفة‏.‏

لنا‏:‏ ما تقدَّم من أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوتر بركعة‏.‏

مسألة ‏(‏205‏)‏‏:‏ المستحبُّ لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولى‏:‏ بـ ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى‏}‏، وفي الثَّانية‏:‏ بـ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ‏}‏، وفي الثَّالثة‏:‏ بـ ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏‏.‏

وقال مالكٌ والشَّافعيُّ‏:‏ يضمُّ إلى سورة الإخلاص المعوذتين‏.‏

لنا حديثان‏:‏

1070- قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا إسحاق بن عيسى ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الوتر‏:‏ بـ ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى‏}‏، و ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ‏}‏، و ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏‏.‏

ز‏:‏ رواه التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه‏.‏

وكذا رواه شريك وزكريا بن أبي زائدة ويونس بن أبي إسحاق‏.‏

ورواه أبو نعيم عن زهير عن أبي إسحاق، ولم يرفعه O‏.‏

1071- قال أحمد‏:‏ وثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان عن زبيد عن ذرٍّ بن عبد الله المُرْهبي عن سعيد بن عبد الرَّحمن بن أبزى عن أبيه قال‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر‏:‏ بـ ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى‏}‏، و ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ‏}‏، و ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏؛ وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال‏:‏ ‏"‏سبحان الملك القدُّوس‏"‏‏.‏

ثلاث مرَّات، ثُمَّ يرفع صوته في الثَّالثة‏.‏

ز‏:‏ رواه النَّسائيُّ بطرقٍ كثيرة، وقد أرسله بعضهم O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 1072- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الآدميُّ ثنا أحمد بن منصور ثنا سعيد بن عفير ثنا يحيى بن أيُّوب عن يحيى بن سعيد عن عَمْرة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الرَّكعتين اللتين يوتر بعدهما‏:‏ بـ ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى‏}‏، و ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ‏}‏؛ ويقرأ في الوتر ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏، و ‏{‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ‏}‏، و ‏{‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ‏}‏‏.‏

وقد رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث محمد بن سلمة‏.‏

والطَّريقان لا يصحَّان‏:‏ أمَّا الأوَّل‏:‏ فإنَّ يحيى بن أيُّوب لا يحتجُّ به، قاله أبو حاتم الرَّازيُّ‏.‏

وأمَّا محمد بن سلمة‏:‏ فضعيفٌ‏.‏

وقد أنكر أحمد ويحيى زيادة المعوِّذتين‏.‏

ز‏:‏ يحيى بن أيُّوب‏:‏ من رجال ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏ وقد روى حديثه هذا الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ وقال‏:‏ على شرطهما‏.‏

ورواه ابن أبي مريم عن يحيى بن أيُّوب‏.‏

وقال الخلال في ‏"‏ العلل ‏"‏‏:‏ ثنا محمد بن إسماعيل ثنا ابن أبي مريم قال‏:‏ أخبرني عثمان بن الحكم- وكان من أفضل من بمصر- قال‏:‏ سألت يحيى بن سعيد عن هذا الحديث، فقال‏:‏ لا أعرفه‏.‏

يعني حديث الوتر‏.‏

وقال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يُسأل عن يحيى بن أيُّوب المصريِّ، فقال‏:‏ كان يحدِّث من حفظه، وكان لا بأس به، وكان كثير الوهم في حفظه‏.‏

فذكرت له من حديثه‏:‏ عن يحيى عن عَمْرة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الوتر‏.‏

الحديث، فقال‏:‏ ها، من يحتمل هذا‏؟‏‏!‏‏.‏

وقال مرَّةً‏:‏ كم قد روى هذا عن عائشة من النَّاس، ليس فيه هذا، وأنكر حديث يحيى خاصةً‏.‏

انتهى ما ذكره‏.‏

وأمَّا محمد بن سلمة الخزاعيُّ‏:‏ فصدَّقه أحمد وغيره، وروى له مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏، وقد روى حديثه أبو داود وابن ماجه والتِّرمذيُّ وقال‏:‏ حديث حسنٌ غريبٌ‏.‏

رواه محمد بن سلمة عن خُصيف عن عبد العزيز بن جريج عن عائشة‏.‏

وقال البخاريُّ‏:‏ عبد العزيز بن جريج عن عائشة في الوتر لا يتابع في حديثه O‏.‏

مسألة ‏(‏206‏)‏‏:‏ يسنُّ القنوت في الوتر في جميع السَّنة‏.‏

وقال مالكٌ والشَّافعيُّ‏:‏ لا يسنُّ إلا في النِّصف الأخر من رمضان‏.‏

لنا‏:‏ 1073- ما روى الإمام أحمد‏:‏ ثنا يزيد أنا حمَّاد بن سلمة عن هشام عن عمرو عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام عن عليٍّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في آخر وتره‏:‏ ‏"‏اللهم إنِّي أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه والنَّسائيُّ من حديث حمَّاد، وقال التِّرمذيُّ‏:‏ حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حمَّاد بن سلمة‏.‏

وهشام بن عمرو الفزاريُّ‏:‏ وثَّقه الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبو حاتم الرَّازيُّ وغيرهم، وقال أبو داود‏:‏ هشام أقدم شيخٍ لحمَّاد، وبلغني عن يحيى بن معين أَنَّه قال‏:‏ لم يرو عنه غير حمَّاد بن سلمة‏.‏

وسئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن هذا الحديث، فقال‏:‏ روي عن إبراهيم بن الحجَّاج عن حمَّاد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عبد الرَّحمن بن الحارث عن عليٍّ، وهو وهمٌ‏.‏

وقال أسود بن عامر‏:‏ شاذان عن حمَّاد بن سلمة عن هشام بن عمرو عن عبد الرَّحمن بن الحارث عن عليٍّ، وهو الصَّحيح‏.‏

وقد رواه عبد الله بن أحمد عن إبراهيم بن الحجَّاج عن حمَّاد على الصَّواب، فلعل بعض الرُّواة عن إبراهيم غلط فيه، والله أعلم O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 1074- بما روى الجوهريُّ أنا الحسين بن عمر الضَّرَّاب ثنا حامد بن محمد بن شعيب ثنا شريح بن يونس ثنا هشيم أنا يونس عن الحسن أنَّ عمر ابن الخطَّاب جمع النَّاس على أُبيِّ بن كعب، فكان يصلِّي بهم عشرين ليلة من الشَّهر، ولا يقنت بهم إلا في النِّصف الثَّاني، فإذا كان العشر الأواخر تخلَّف فصلَّى في بيته‏.‏

والجواب‏:‏ أنَّ هذا الحديث منقطع، فإنَّ الحسن لم يدرك عمر‏.‏

ثُمَّ هو فعل صحابيٍّ، وما روينا فعل رسول الله، فهو مقدَّمٌ‏.‏

ز‏:‏ 1075- قال أبو داود‏:‏ ثنا أحمد بن حنبل ثنا محمد بن بكر أنا هشام عن محمد عن بعض أصحابه أنَّ أُبيَّ بن كعب أمَّهم- يعني في رمضان- وكان يقنت في النِّصف الآخر من رمضان‏.‏

1076- قال أبو داود‏:‏ ثنا شجاع بن مَخْلد ثنا هُشيم أنا يونس بن عُبيد عن الحسن أنَّ عمر بن الخطَّاب جمع النَّاس على أُبيِّ بن كعب، فكان يصلِّي لهم عشرين ليلة‏"‏، ولا يقنت بهم إلا في النِّصف الباقي، فإذا كانت العشر الأواخر تخلَّف فصلَّى في بيته، فكانوا يقولون‏:‏ أَبَقَ أُبيٌّ‏.‏

قال أبو داود‏:‏ وهذان الحديثان يدلان على ضعف حديث أُبيٍّ‏:‏ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت في الوتر‏.‏

1077- وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ ثنا الحسين بن عبد الله القطَّان ثنا أيُّوب الوزَّان ثنا غسَّان بن عبيد ثنا أبو عاتكة عن أنس قال‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقنت في النِّصف من رمضان إلى آخره‏.‏

أبو عاتكة‏:‏ طريف بن سلمان، وهو ضعيفٌ؛ وقال البيهقيُّ‏:‏ هذا حديثٌ ضعيفٌ، لا يصحُّ إسناده O‏.‏